ندم على عتبة الموت
------
لطيلة سنوات كنت اعمل في الرعاية المنزلية .. كان المرضى الذين أقوم برعايتهم
هم أولئك الذين تم إخراجهم من المستشفيات لكي يرقدوا بسلام بين ذويهم في
منازلهم بعد أن فقد الأطباء الأمل من شفائهم .. ولقد قضيت أوقات مميزة في ذلك
العمل .. حيث كنت اقضي الأسابيع الأخيرة من مسيرتهم وأتعلم من خلاصتهم عنها
ورأيت ان الناس تعي الكثير من الأمور في مواجهة فنائها .. وتعلمت ان لا اقلل من
قيمة قدرة أي شخص على وعي أمور جديدة مهما تقدم به العمر .. إن بعض التغيرات
التي كانت تحدث في شخصية الواقفين على عتبة الموت كانت استثنائية جداً
والجمع كان يمر بطيف من المشاعر تبدأ بالإنكار ثم الخوف فالغضب ثم الندم .. ثم
الإنكار التام وينتهون بالقبول والرضا .. الجميع كان يصل في نهاية المطاف إلى
الرضا.. الجميع بلا استثناء
وكان لدي هاجس بأن أسئل كل واحد منهم عن الشيء الأكثر الذي يندمون عليه في
مسيرتهم تلك في الحياة وكانت الأجوبة تتمايز بين الأشخاص ولكن كان ولابد من وجود
أمور يذكرها الجميع دوماً وسأعرض عليكم أكثرة خمسة أشياء تمناها هؤلاء الواقفون
على عتبة الموت
1- (أتمنى لو كنت املك الشجاعة لكي أعيش بصدق الحياة التي أريدها أنا لا تلك
التي يتوقعها الآخرون مني )
كان ذلك الندم الأكثر شيوعاً بين جميع مرضاي فالناس عندما تنظر إلى حياتها وهي
على عتبة الرحيل ترى كيف فرطت بسهولة بأحلامها وكيف اندثرت على دروب هذه
الحياة .. والكثير من الناس لم يستطيعوا أن يحققوا حتى ولو نصف أحلامهم وعندما
يقتربون من عتبة الموت يدركون أن تلك الأحلام لم تتحقق بسبب خياراتهم التي
قاموا بها او تلك التي لم يقوموا بها
2-(أتمنى لو لم أرهق نفسي في العمل كثيراً)
إن هذه الأمنية غالباً ما تقال من قبل الذكور.. فهم يتابعون نمو أطفالهم وعادة
ما يهملون مرافقة زوجاتهم في خضم هذه الحياة.. الإناث أحيانا تتحدث عن هذا
ولكن بصورة عامة النساء لسن ممن يهملن الأسرة على حساب العمل.. ان كل الذكور
الذي رعيتهم يندمون كثيراً على الجهد المضني والوقت الكبير الذي صرف على العمل
على حساب الأسرة
فبتبسيط نظام الحياة وبأخذ قرارات واعية في دروبنا يصبح من الممكن الاستغناء
عن ساعات العمل الإضافية التي تجب على الذكور لأجل تحقيق مستوى معيشي معين
فالرضا بحالة ملائمة دون المضي في الجشع المادي للانتقال بصورة دائمة إلى
مستويات معيشية أفضل يعني إيجاد وقت كاف للأسرة وبهذا سوف يغدو الإنسان أكثر
سعادة وستتناثر أمامه فرص جديدة للرضا أكثر من تلك التي سوف يعود بها الدخل
المادي الأكبر او الانتقال الى مستوى معيشي أرفع
3-(أتمنى لو امتلكت الشجاعة لكي اعبر عن مشاعري بصورة أوضح )
العديد من الأشخاص يكتمون مشاعرهم من اجل الإبقاء على حالة توازن بينهم وبين
الآخرين ونتيجة لذلك فإنهم يقبعون في حالة وسطية من الوجود ولا يمكنهم ذلك من
ان يغدوا ما يريدون حقاً .. والعديد جراء ذلك يصابون بعدد واف من الأمراض
والاعتلالات متعلقة عادة بالمرارة والقرحة المعوية
صحيح أننا في الحقيقة لا يمكننا ان نتحكم في ردات فعل الآخرين .. ولكن الناس
عادة تتجاوب بصورة ايجابية مع الصراحة والتعبير المباشر وفي نهاية المطاف ان
تعبيرك عن مشاعرك مهما كانت ردة الفعل او التجاوب هو امرُ مجدٍ لأنه سوف ينقل
العلاقة الى مستوى جديد أكثر صحية فإما انك سوف تطلق سراح تلك العلاقة وتريح
نفسك منها وتغلق ملفها المؤرق او انك سوف ترتقي بها الى مستوى جديد مرض ..
وفي كلا الحالتين أنت المستفيد الأكبر
4-(أتمنى لو بقيت على تواصل مع أصدقائي)
عادة لا يدرك الناس أهمية أصدقائهم القدامى حتى وصولهم إلى عتبة الموت و من
المرجح ان يكون من الصعب تعقبهم في تلك الإثناء .. فالناس تنغمس في حياتها
متناسية الكثير من العلاقات والصداقات الذهبية التي كانوا يملكونها
لقد ندم العديد من مرضاي على إهمالهم صداقاتهم المميزة تلك وكيف سمحوا للحياة
بان تأخذهم بعيدا عن صحبهم لقد ندم الكثير لأنهم لم يعطوا الجهد والوقت التي
كانت تستحقه تلك الصداقات .. الجميع .. الجميع يتذكر صحبه حين قرب المنية
من الشائع ان تُهمل الصداقات بسبب نمط الحياة السريع والمزدحم ولكن عندما تقف
على عتبة الموت و تتماهى تلك الامور المادية في الحياة الى العدم فان الناس
تريد ان تعيد ترتيب علاقاتها المجزية مع الأشخاص من حولها ولا نعني بتلك المجزية
المادية القائمة على المال والإعمال إنما تلك التي تغني النفس وتفرح القلب
وتنشر الحب وعادة يكون الإنسان على عتبة الموت تعباً ومريضاً بصورة لا تسمح له
بالقيام بذلك .. ولكنهم يعون جميعهم انه في النهاية لا يهم سوى الحب والصداقة
فهما خلاصة هذه الحياة
5-(أتمنى لو سمحت لنفسي بأن أكون اسعد)
كانت تلك الأمنية التي تفاجئني على الدوام .. لقد أدرك العديد ممن وقف على
عتبة الموت ان السعادة ما كانت إلا خياراً لقد حكروا أنفسهم في أنماط وعادات
قديمة لاعتقادهم أنها الآمنة والأكثر استقرارا وكان كل ذلك على حساب سعادتهم
وحياتهم الحقيقة .. ان الخوف من التغيير دفعهم لكي يوهموا أنفسهم والآخرين من
حولهم أنهم مرتاحون مع أوضاعهم الحالية وأنهم سعيدون بها ومتفهمون لها .. حتى
ضحكاتهم ساوموا عليها وكبتوا بعضها و اخفضوا البعض الآخر منها
وعندما يصل الإنسان إلى عتبة الموت فان ما يفكر فيه الآخرون وما يعتقدونه عنك لا
يعود مهما وكم هو جميل من يستطيع ان يتغلب على ما سبق ويبتسم ويسعى نحو
سعادته قبل إن يصل إلى عتبة الموت
الحياة في النهاية ليست سوى خيار
.. فاختر بوعي بحكمة وبصدق .. اختر سعادتك